وطَنِیْة فتًی
اسْتَولَی الرومانُ علی إحدی المدنِ الیونانیّة ، وراحَ الجنودُ یعیثون فیها
فسادًا، ویسوقون أهلَها عبیدًا لیقتسموهم کما تُقتسموهم کما تُقْتَسَمُ الغنائمُ.
أرادَ القائدُ أن یختبرَ الأطفالَ الأسْرَی،لیَنْتَقِیَ الأذکیاءَ منهم،ویقدِّمَهم إلی
ضُبَّاطِهِ. فأمرَ کلَّ طِفْلٍ أنْ یَکْتُبَ جملةً یختارُها. فَکَتَبَ أحدُهم:((ماأسعدَ
أولئک الذین ماتوا فی ساحةِ الحربِ لأنّهم لَنْ یَرَوا ذُلَّ وطنِهِمْ))!
قَرَأَ القائدُهذه الجملةَ،فَعَجِبَ مِنْ جُرْأةِ کاتِبِها. وأمرَبإحْضَارِهِ فی الحال.
أقبل الفتی منتصب القامةِ ، رافع الرأس، تَعْلُو وَجْهَهُ أماراتُ الیأس، ممزوجةً
بالعزَّةِ،ووقفَ أمامَ القائدِ دون خوفٍ أو وجلٍ.
حدّقَ فیه القائدُ ملیًّا؛ ثمّ نهضَ ورَبَتَ علی کتفِهِ، ومدَّ یدَهُ و صَافَحَهُ
مُصَافَحَةَ الأبطالِ، وقالَ له:(( مَنْ أحَبَّ وطنَهُ کماأحْبَبْتَ، وأخْلَصَ له کما
أخْلَصْتَ حریٌّ بهِ أنْ یعیشَ حرًّا،فاذْهَبْ فأنتَ حرٌّ)).